About Me

My photo
dreams is not only word to say....but it is special secret world .....so welcome in my blog

Saturday, August 28, 2010

شغف الذاكرة _ قصص موريتانية قصيرة


غبار على وجهي

لم تشعر بالإستغراب عند خروجها من القسم و رؤيتها لذلك الغبار الكثيف الذي كان يغطي ما بين السماء و الأرض , مع أنها لم تشهد مثل ذلك الصباح في صفاء جوه و اعتلال نسيمه , غير أنه يبدو أن الرياح و الغبار لم يرق لهما أن يقضي سكان مدينة انواكشوط يومهم كله على ذلك النحو.

تلثمت بطرف ملحفتها و اتجهت نحو البوابة الرئيسية .

كان هنالك الكثير من السيارات التي أتت لتقل بعض زميلاتها و بذلك ينتهي صراعهن مع الرياح , بينما يتعين عليها هي و الأخريات مواصلة السير حتى الشارع الرئيسي حيث سيجدن الحافلات.


*** **** ****

في الطريق سمعت صوتها ...نظرت إليها , إنها زوبعة عنيفة , مرت بإحدى الأشجار و أجبرتها على الإنحناء , فقررت هي فعل ذلك بنفسها , انحنت , و جلست القرفصاء و هي تحتضن دفاترها.

دارت الزوبعة حولها عدة دورات ثم مضت في طريقها , رفعت رأسها لتجد بعض المارة واقفين يسألونها هل أصابها مكروه؟ أجابتهم : بأنها بخير , أخذت امرأة منهم تنفض عن ملحفتها الغبار و أوراق الشجر التي علقت بها , نظرت إلى المرأة مبتسمة و قالت :
-هل تعرفين أن هذه الملحفة كانت بيضاء؟
ضحكت المرأة و قالت لها :
-الحمد لله على سلامتك , ما قمت به من انحناء حين فاجأتك الزوبعة كان فكرة ذكية.
-تعرفين ,في البادية عندما تفاجئنا الزوابع الكثيرة هناك نشير إليها و نقول :"خيمتنا فيها محمد", فيتغير اتجاه الزوبعة و لا تقتحم الخيمة , و لكنني لم أسأل ما ذا يقول الإنسان عند ما يكون واقفا وحده و الزوبعة قادمة إليه؟.
أدابها احد الرجال الواقفين بقربها :
-يشير إليها و يقول :"لا إله إلا الله , محمد رسول الله , الله أكبر".

**** ***** ****
تابعت سيرها باتجاه موقف الحافلات.. و عندما وصلت كان هناك الكثير من الأشخاص , وقفت وسط الزحام ..فجأة شعرت بشئ يشد طرف ملحفتها , نظرت خلفها حيث رأت شابا في العشرين من عمره و هو يرسم ابتسامة عريضة على شفتيه , صرخت في وجهه قائلة :
-ما ذا تريد؟
-لا. لا شئ فقط أريد أن أسألك كم الساعة ؟
-ليس عندي ساعة , و ابتعد عني من فضلك.
-ما ذا عن هذه التي في يدك ؟
-ليست مضبوطة على الوقت .
-لما ذا تضعينها إذن؟
-لكي أتزين بها . هل عندك ما نع ؟
-بالطبع! فأنت لست بحاجة إلى الزينة , فجمالك طبيعي و الزينة تشوهه , فانت تزينين الزينة.
-اسمعني جيدا هذا اليوم كان الأسوأ بالنسبة لي , و إذا لم تبتعد , فغنه سسيكون الأسوأ في تاريخ البشرية .

ابتعدَ عنها حين رأى حدّة غضبها , و عرف أنه لا فائدة من ملاحقتها .
رغم ـنها لا تعجب عادة بهذا الطفل و لا يعجبها هؤلاء الشبان الذين يبدأون بصب الكلام المعسول في آذان الفتيات دون سابق معرفة , إلا انها شعرت بالإمتنان له , لأنه أرجع إليها الثقة بنفسها فقد كانت على يقين تام بأن أهلها سيصيبهم الفزع عند رؤيتها و انها هي نفسها لن تتجرأ على مجرد النظر في المرآة .

*** **** ******

فجـأة توقفت حافلة عند قدميها غير ان السائق أخرج رأسه من النافذة و صرخ في عامله الذي يتعلق بمؤخرتها لتحصيل الأجرة :
-لا تترك التلاميذ يركبون , قبحهم الله هم و العشرة أواق التي يدفعونها!! ما اكثرهم , فلا أقف في مكان إلا و هم أمامي.
ارتفعت الأصوات "بسم الله الرحمن الرحيم" , قل :"ما شاء الله".
امتلأت الحافلة بالرجال و النساء بالإضافة إلى بعض التلاميذ الذين خاف السائق المشاكل معهم , فتركهم يتعلقون بمؤخرة الحافلة مع عامله , في ذلك الوقت شعرت برغبة في أن تكون ولدا مثلهم! فقد كانت تحلم بالذهاب بسرعة للمنزل و الخلود إلى الراحة و النوم قبل أن تعود إلى المدرسة في الثالثة.

لقد كانت بطاقات النقل المخفض للتلاميذ نقمة بدل أن تكون نعمة , فالحافلات تمر بهم إما أن تتوقف و ترفض أن تقلهم , و إما أن ترفض التوقف أصلا عند رؤيتهم.

استمر الحال على ذلك حتى الساعة الواحدة و النصف , و لم يبق في الموقف إلا التلاميذ و عندها توقف لهم أحد سائقي الحافلات فركبوا معه جميعا , نظر أحد التلاميذ إلى السائق قائلا :
-شكرا لك لأنك توقفت لـِتـُقـِلـَّنـَا , فقد أمضينا أكثر من ساعة و نحن واقفون على أقدامنا , فقد اضطهدنا زملاؤك و رفضوا أن نركب معهم , لأننا تلاميذ و ندفع أقل من الآخرين.

نظرت هي إليه و قالت :
-مكره أخاك لا بطل , صدقني هو لم يتوقف أمامنا إلا لأنه لم يجد غيرَنا , فنحن بالنسبة له أفضل من لا شئ!
ابتسم السائق قائلا :
-ما تقولينه صحيح يا عزيزتي , أقدرك , لأنك تفهمي الواقع .
-كبف لا أفهمه و أنا اعيشه يوميا ؟

***** *** *****

نظرت إلى وجوه التلاميذ الذين معها , فلم يتسن لها ذلك عند ما كانت في الموقف , فنظـرُهَا كان معلقا بالطريق و الحافلات التي تمر عليه.

كانت وجوههم مغطاة بالغبار و أعينهم محشوة بالتراب , و روموشهم تحولت إلى اللون الرمادي و شفاههم يابسة تتشقق و كأنه لم تمسها قطرة ماء قط , فعرفت انها لن تكون أفضل حالا منهم




No comments:

Post a Comment